23 May، 2025
عالمية

زيارة ترمب التاريخية… دلالات ومخرجات

  • مايو 17, 2025
  • 1 min read
زيارة ترمب التاريخية… دلالات ومخرجات

اختتم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، زيارته التاريخية إلى المنطقة التي افتتح بها جولته الخارجية الرسمية الأولى، رفقة عشرات المسؤولين في الإدارة الأميركية والمستثمرين ورجال الأعمال.

المحطة الأولى كانت السعودية، حيث تم الإعلان عن استثمارات تتخطى 600 مليار دولار تشمل الأمن والاقتصاد والذكاء الاصطناعي والطاقة وغيرها. من هناك أعلن عن رفع العقوبات عن سوريا، والتقى الرئيس السوري أحمد الشرع، بعدها توجه إلى قطر والإمارات في جولة شاملة عنوانها اقتصادي، إذ حصدت مليارات الدولارات من الاستثمارات، لكن مضمونها تخطى الاقتصاد ليشمل ملفات سياسية حاسمة إقليمياً ودولياً؛ من حرب غزة إلى أمن الملاحة وحرب السودان والحرب الروسية – الأوكرانية وسوريا والملف النووي الإيراني.

يستعرض تقرير واشنطن وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، دلالات الزيارة وأبرز مخرجاتها، بالإضافة إلى انعكاساتها قصيرة وطويلة الأمد على مسار العلاقات الدولية، وما إذا كانت العلاقات الأميركية مع حلفائها في المنطقة ستشهد نهوضاً يؤدي إلى حلحلة في الأزمات الدولية المشتعلة.

دلالات الزيارة

يشير وليام روبوك، السفير الأميركي السابق لدى البحرين ونائب المبعوث السابق للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش»، إلى أن تركيز الرئيس الأميركي خلال الزيارة انصب على التوصل إلى صفقات كبرى بمليارات الدولارات «تتمتع بأهمية كبيرة للمنطقة وللولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا والدفاع والأمن».

ترمب في القمة الخليجية – الأميركية بالرياض – 14 مايو 2025 (د.ب.أ)

كما عدّ روبوك أن الزيارة أظهرت مدى أهمية الشراكات في منطقة الخليج بالنسبة للولايات المتحدة، مضيفاً: «لطالما كان هذا الأمر صحيحاً، لكن يبدو أن تأثير هذه الدول ازداد بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس إلى العشر الأخيرة. ويؤكد هذا الواقع أهمية تلك العلاقات بالنسبة للولايات المتحدة، والدور المحوري الذي ستلعبه في العقد المقبل بمجالات التكنولوجيا والأمن بالمنطقة، وفي الملفات الدبلوماسية الأكبر مثل سوريا وغزة وغيرها من القضايا المثيرة للقلق».

من ناحيته، يصف فراس مقصد، المدير التنفيذي للشرق الأوسط في مجموعة «Eurasia» الزيارة، بأنها «تاريخية بكل المقاييس، سواء للولايات المتحدة أو للمنطقة»، ويعتبر أنها تثبت أن الرئيس الأميركي يُولي اهتماماً كبيراً للمسائل الاقتصادية والتجارية، معقباً: «لكن هذا لا يعني أن الرحلة كانت خالية من البُعد الجيوسياسي، بل على العكس تماماً: إن الأمرين مترابطان».

ويفسر مقصد الترابط مشيراً إلى أن الشراكات الاستراتيجية الكبرى في قطاع الذكاء الاصطناعي والتقنيات الدفاعية المتقدمة ومجالات تجارية أخرى، ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمنافسة العالمية مع الصين، وبالسباق نحو الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي. وأضاف أن «الشرق الأوسط، سواء من حيث موقعه الجغرافي في قلب العالم، أو من حيث قدراته المالية الكبيرة التي تسمح له بالاستثمار في هذه الصناعات التي تتطلب رؤوس أموال طائلة، إلى جانب توفر الطاقة الرخيصة التي تحتاجها تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية للنمو، يلعب دوراً محورياً في ضمان استمرار تفوق الولايات المتحدة؛ ليس فقط في المنطقة، بل على مستوى العالم».

أما مايكل راتني، السفير الأميركي السابق لدى السعودية والمبعوث الخاص السابق لسوريا والقائم بأعمال السفارة الأميركية لدى إسرائيل سابقاً، فقد عدّ أن الرئيس الأميركي بدأ هذه الزيارة مع هدف واضح يتمثل في إبراز شراكة تجارية قوية، واصطحب معه وفداً كبيراً من رجال الأعمال الأميركيين، وأعلن عن استثمارات وصفقات تجارية بمئات المليارات من الدولارات. وأضاف: «أعتقد أن هذا كان هدفه الأساسي في الجوهر: عرض النجاح التجاري. لكن بعض أهم الأخبار لم يكن على الجانب التجاري، بل على صعيد السياسة الإقليمية».

وقال راتني إن الإعلان الأبرز بالنسبة إليه كان قرار رفع العقوبات عن سوريا، واللقاء الذي جمع بين ترمب والرئيس السوري أحمد الشرع، مضيفاً: «عندما أعلن عن رغبته في إنهاء العقوبات، قوبل ذلك بتصفيق كبير داخل القاعة، وأعتقد أن هذا يعكس شعوراً عاماً في المنطقة بأن هذا هو التوجه الصحيح. لذلك، صحيح أن الزيارة كانت مهمة من منظور تجاري، فإنها أيضاً كانت مهمة جداً فيما يتعلق بالسياسة الإقليمية، خصوصاً في الملف السوري».

سوريا ورفع العقوبات

وعن رفع العقوبات على سوريا، قال روبوك الذي عمل كبير مستشاري المبعوث الخاص إلى سوريا سابقاً، إن القرار الذي اتخذه ترمب كان «جريئاً للغاية»، مشيراً إلى أن هذه العقوبات كانت لديها «آثار كارثية على سوريا وعلى شعبها واقتصادها، إذ إنها تلغي أي فرصة لإعادة الإعمار بعد عقدٍ من الحرب الأهلية، وتُصعّب وصول المساعدات الإنسانية إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها».

ترمب التقى الرئيس السوري أحمد الشرع برعاية سعودية (رويترز)

وأضاف روبوك: «لذلك كان هذا القرار ضرورياً للغاية، وهنا أود الإشادة بالرئيس على هذا الطرح الجريء، وعلى الطريقة التي قدم بها القرار والتي دفعت المجتمع الدولي إلى أخذ الأمر على محمل الجد، والأهم من ذلك إلى أخذ القيادة الجديدة في سوريا بجدية، برئيسها المؤقت أحمد الشرع، والاعتراف بأنه خطا خطوات ملموسة نحو بناء علاقات مع قادة دول الخليج».

وهنا يؤكد مقصد ضرورة الإشادة كذلك بقيادة السعودية في الوصول إلى رفع هذه العقوبات، مشيراً إلى أنها كانت على رأس أولوياتها في زيارة ترمب، ويفسر: «بالنسبة إلى السعودية هناك أمران رئيسيان في هذا السياق. أولاً، من الواضح أنه إذا انهارت الأوضاع في سوريا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، فهناك قلق كبير من أن تستغل إيران هذا الفراغ كالعادة، وتتدخل لتعزيز نفوذها وتعيد بناء خط الإمداد إلى (حزب الله) في لبنان، وتوسع نفوذها في المنطقة. ثانياً، هناك هدف أوسع يتمثل في إعادة الدور العربي إلى سوريا. نرى اليوم تصاعد التنافس بين تركيا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وهو تنافس كانت له نتائج كارثية على سوريا وعلى مصالح الشعب السوري. لذلك، كان من الضروري رفع العقوبات حتى يتمكن العرب من لعب دور حقيقي في إعادة الإعمار والتأثير في مستقبل سوريا».

وتحدث مقصد عن «الآراء المتباينة داخل إدارة ترمب حيال رفع العقوبات»، مشيراً إلى أنه من الواضح أن الرئيس هو الذي حسم الموقف، وأنه اتخذ القرار بسرعة وبطريقة حاسمة، وأعلن عنه بأسلوب لافت.

آلية رفع العقوبات

مع إعلان ترمب تسلطت الأضواء على آلية رفع العقوبات، وعنها يذكر راتني أن العقوبات على سوريا معقدة للغاية، وأنها مفروضة على أفراد وكيانات مختلفة لأسباب متعددة، وبحسب بنود مختلفة من القانون الأميركي.

للكونغرس دور في آلية رفع العقوبات عن سوريا (رويترز)

وقال راتني إن بعض هذه العقوبات تقع من ضمن صلاحيات الرئيس في إطار فرضها أو رفعها، لكن هناك عقوبات أخرى، مثل عقوبات قيصر التي أقرها الكونغرس، وهناك حاجة لتدخله لرفعها كلها.

ويعرب السفير السابق عن دعمه لقرار رفع العقوبات لتطوير الاقتصاد ومحاربة الإرهاب، مضيفاً: «بالمناسبة، إذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي، وإذا لم يتحسن حال السوريين، فسيكون من الصعب تحقيق ما تريده الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة، وهو منع عودة النفوذ الإيراني».

ويتحدث روبوك عن مستويات «معقدة» من العقوبات التي فُرضت على مدى عقود، بدءاً من عام 1979 عندما تم تصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب، مشيراً إلى أن بعض هذه العقوبات صادر عن الكونغرس، والبعض الآخر قرارات تنفيذية من الرئيس، وهي تستند إلى قوانين مختلفة. ويعتبر روبوك أن للرئيس الأميركي تأثيراً كبيراً في رفع العقوبات، لكنه يشير إلى دور الكونغرس في ذلك، معقباً: «معظم هذه العقوبات، سواء كانت قانونية أو تنفيذية، يتضمن استثناءات تتعلق بالأمن القومي يمكن للرئيس استخدامها. بإمكانه تعليق تطبيق معظم نتائج هذه العقوبات، وهذا سيكون أمراً حاسماً في المدى القصير. لكنه سيحتاج أيضاً إلى دعم الكونغرس لإلغاء أي أجزاء من العقوبات منصوص عليها في القانون». ويضيف: «هناك كثير من العمل، لكن الأمر ليس مستحيلاً. ومع وجود موقف رئاسي واضح ودعم دبلوماسي دولي ودعم حلفائنا في الخليج، سيكون تنفيذ ذلك أسهل بكثير الآن».

اتفاق مرتقب مع إيران

المفاوضات مع إيران كانت حاضرة كذلك خلال الزيارة، وعنها اعتبر راتني أن ترمب يشارك رغبة حكومات كثيرة بالمنطقة في اتباع الدبلوماسية مع الإيرانيين، بدلاً من شن ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لأسباب متشابهة.

ترمب يسعى إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران (أ.ب)

ويفسر راتني قائلاً: «الحرب العسكرية مضرّة بالاقتصاد، والرئيس ترمب وشركاؤنا في الشرق الأوسط يحاولون إيصال رسالة مفادها أن الأبواب مفتوحة للأعمال، للتجارة والاستثمار والتبادل الاقتصادي».

من ناحيته، يشدد روبوك على ضرورة وجود «دبلوماسية ذكية ومفاوضات دقيقة» ينال فيها كل طرف بعض مطالبه الأساسية. ويعتبر روبوك أن الأمر سيكون صعباً، نظراً لوجود مجموعة معقدة من القضايا يجب التعامل معها مثل قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وبأي قدر من التخصيب سيسمح لها لأغراض مدنية، وإلى مدى سيتم تخفيف العقوبات، وكيفية تنظيم ذلك بشكل تدريجي ومدروس. «بالإضافة إلى القضايا الأخرى المتعلقة بالبرنامج النووي، مثل قدرات إيران الصاروخية، ودعمها للوكلاء في المنطقة، والتي ستشكّل بدورها تحديات كبيرة»، على حد قوله.

ويضيف روبوك: «يجب أن نأمل في أن تنجح هذه المفاوضات. أعلم أن شركاءنا في دول الخليج يرغبون بنجاح هذا الاتفاق. لديهم مبادرات تنموية داخلية ضخمة مثل رؤية 2030 في السعودية، وغيرها في دول أخرى. لذلك هم أيضاً يدفعون بقوة لنجاح هذه المفاوضات».

ويؤكد مقصد أن أي اتفاق مع طهران سيكون له صدى واسع في المنطقة كلبنان واليمن وغزة وسوريا، ورجح إمكانية التوصل إلى اتفاق لأن «إيران في أضعف موقع لها منذ عام 1979، مع انهيار المحور ونظام الأسد و(حزب الله)، وحرب إسرائيل»، متابعاً: «هم يدركون تماماً أنهم في موقع ضعف، كما أن ترمب لا يرغب في التورط بحرب كبرى أخرى في المنطقة».

توتر مع نتنياهو

ترمب ونتنياهو في البيت الأبيض – 7 أبريل 2025 (رويترز)

زيارة ترمب لم تشمل إسرائيل، في خطوة فسرها البعض على أنها دليل على التوتر في العلاقات بين البلدين، وهذا ما أكده مقصد الذي أشار إلى وجود «مشكلة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل»، مضيفاً: «لا شك في أن اتفاقات إبراهيم تظل من أبرز أولويات ترمب، وهو أمر يحرص على التوصل إليه، لكن المشكلة بالنسبة له تكمن في الاعتبارات السياسية الداخلية لرئيس وزراء إسرائيل الذي، على الرغم من مرور عام ونصف العام من النزاع في غزة، لا يستطيع الوصول إلى وقف إطلاق النار، ناهيك بالحديث عن مرحلة ما بعد الصراع، أو الوفاء بالشروط التي حددتها السعودية بوضوح بوصفها أساساً لأي مناقشة حول التطبيع. لذلك في أحيان كثيرة، نرى أن رئيس وزراء إسرائيل يقف بين ترمب وما يريد تحقيقه في المنطقة، وهو إرثه». ويعتبر مقصد أن «نتنياهو لم يتمكن من فهم ترمب كما فعل الآخرون في المنطقة، مثل السعودية وقطر والإمارات الذين يفهمون أن الرئيس له دوافع كثيرة، ويرغب في العناوين الإيجابية الكبيرة».

من ناحيته، يعتبر راتني أنه من المثير للاهتمام أن ترمب لم يزُر إسرائيل، مشيراً إلى أن هدفه في هذه الرحلة والدول التي اختارها هو «نقل صورة النجاح». ويقول راتني إن ترمب يريد إنهاء جميع النزاعات في المنطقة، من اليمن إلى إيران وغزة وسوريا ولبنان، لأنه «إن تمت تهدئة النزاعات فسيكون ذلك أفضل لسير الأعمال». ويضيف: «عندما ينظر حوله، هناك قصة إيجابية يمكن أن يرويها في السعودية والإمارات وقطر، ولا أعتقد أنه كان يظن أنه سيجد قصة جيدة ليقدّمها لو كان زار إسرائيل، لأن النزاع هناك لا يبدو أنه سينتهي؛ بل على العكس، يبدو أن نتنياهو مصمم على تصعيد النزاع في غزة مع كل ما يجلبه ذلك من دمار، لذلك من المحتمل أن قرار عدم الذهاب إلى إسرائيل كان رسالة إلى نتنياهو».

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *