واشنطن تنظر في عقوبات ضد روسيا… وتوبّخها لإثارة مخاوف من حرب عالمية ثالثة

غداة إعلانه أنه ينظر في زيادة العقوبات ضد موسكو، وبَّخ كيث كيلوغ، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، مسؤولاً روسياً كبيراً لإثارته مخاوف من نشوب حرب عالمية ثالثة بعدما حذر ترمب من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يلعب بالنار» فيما يتعلق بجهود وقف إطلاق النار.
ورفض المسؤول الأمني الروسي الكبير دميتري ميدفيديف، وهو رئيس سابق لروسيا، انتقادات ترمب. وكتب ميدفيديف بالإنجليزية على منصة «إكس»: «بخصوص تصريحات ترمب حول حدوث (أمور سيئة حقاً) لروسيا. لا أعرف سوى شيء واحد سيئ حقاً، حرب عالمية ثالثة. آمل أن يفهم ترمب هذا».
ونقل المبعوث الأميركي كيلوغ منشور ميدفيديف، وقال إنه متهور. وذكر كيلوغ على «إكس»: «إثارة مخاوف من حرب عالمية ثالثة هو تعليق مؤسف ومتهور… وغير مناسب لقوة عالمية. يعمل الرئيس ترمب على وقف هذه الحرب وإنهاء القتل. نحن في انتظار استلام مذكرة (ورقة الشروط) التي وعدت بها روسيا قبل أسبوع. أوقفوا إطلاق النار الآن».
أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الأربعاء، أن بلاده ستساعد أوكرانيا لكي تصنع على أراضيها صواريخ بعيدة المدى يمكنها إصابة أهداف داخل روسيا. وقال ميرتس خلال مؤتمر صحافي عقده في برلين مع الرئيس الأوكراني إن «وزيري دفاعنا سيوقعان اليوم بروتوكول اتفاق بشأن حيازة أنظمة صاروخية بعيدة المدى أوكرانية الصنع» بدون أن يذكر أي شركات معنية بذلك. وأضاف: «لن تكون هناك قيود مفروضة على المدى، ما سيمكِّن أوكرانيا من الدفاع عن نفسها بشكل تام بما في ذلك ضد أهدف عسكرية خارج أراضيها الوطنية».
وأكد: «إننا نجتاز اليوم مرحلة أولى في التعاون بين ألمانيا وأوكرانيا في مجال إنتاج الأسلحة بعيدة المدى، وسيكون هذا تعاوناً على المستوى الصناعي قد يتم، سواء في أوكرانيا أو هنا في ألمانيا»، مضيفاً: «لن نكشف أي تفاصيل إضافية حتى إشعار آخر».
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أوكرانيا ما زالت بانتظار تسلّم «مذكرة» وعدتها بها روسيا بشأن مطالبها المرتبطة بالتوصل إلى اتفاق سلام، في وقت تتهم كييف، موسكو، بتعطيل محادثات السلام ورفض إيقاف غزوها. وقال زيلينسكي، الأربعاء، إن روسيا تعهّدت تسليم كييف «ما يرون أنها الخطوات التالية و(توضيح) إن كانت روسيا قادرة على دعم وقف إطلاق النار»، مضيفاً أن أوكرانيا «ستطلع على مقترحاتهم وسترد بكل تأكيد» فور تلقيها، كما قالت موسكو، الثلاثاء، أنها بصدد إعداد المذكرة وتسليمها لكييف.
وبدا الرئيس الأوكراني في وقت سابق وكأنه ممتعض من واشنطن لعدم إعلانها عقوبات جديدة على موسكو. وبعد ساعات على صدور تصريحات زيلينسكي، نفّذت أوكرانيا واحدةً من أكبر موجات القصف على الإطلاق على روسيا، إذ أطلقت حوالى 300 مسيّرة باتّجاه البلاد، حسب وزارة الدفاع في موسكو. وأفاد مسؤولون روس بوقوع أضرار محدودة جداً جراء الهجمات.
وأما ميدانياً، فأفاد زيلينسكي بأن روسيا «تحشد» أكثر من 50 ألف جندي عند خط الجبهة حول منطقة سومي الحدودية (شمال شرق)، حيث سيطر الجيش الروسي على عدد من القرى في وقت يسعى لإقامة ما وصفه بوتين بأنه «منطقة عازلة» داخل الأراضي الأوكرانية.
قمة ثلاثية مع ترمب وبوتين
ودعا زيلينسكي إلى قمة ثلاثية مع ترمب وبوتين، وقال الأربعاء: «إذا لم يكن بوتين مرتاحاً لاجتماع ثنائي، أو إذا كان الجميع يفضلون أن يكون الاجتماع ثلاثياً، فلا مانع لدي. أنا مستعد لأي صيغة». وأكد أنه «مستعد» لاجتماع بين «ترمب، بوتين وأنا»، داعياً واشنطن إلى فرض حزمة عقوبات مشددة على قطاعي الطاقة والمصارف الروسيين. وقال: «ننتظر العقوبات من الولايات المتحدة الأميركية».
وقال الكرملين إن إسطنبول قد تستضيف جولة أخرى من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الأربعاء، إن إسطنبول قد تكون المكان الذي تنعقد فيه الجولة المقبلة من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.
ورفع ترمب حدة خطاباته ضد بوتين، مع تصعيد القوات الروسية لهجماتها بالمسيرات والصواريخ الباليستية ضد أوكرانيا، على الرغم من الجهود الأميركية للتوسط في اتفاق سلام بين كييف وموسكو. وبلغ إحباط ترمب ذروته هذا الأسبوع، ملمحاً إلى أنه كان يحمي بوتين من عواقب وخيمة بسبب غزو روسيا لأوكرانيا. ونشر على منصته «تروث سوشيال» للتواصل الاجتماعي أن «ما لا يدركه فلاديمير بوتين هو أنه لولا وجودي، لكانت روسيا شهدت بالفعل الكثير من الأمور السيئة للغاية، بل سيئة للغاية. إنه يلعب بالنار!».
وجاء ذلك بعد تلميح ترمب في مطلع الأسبوع إلى أنه قد يكون منفتحاً على فرض عقوبات على روسيا، في تحول كبير بعد أشهر من حذره الشديد في الضغط على بوتين لدرجة أنه أعفى روسيا من الرسوم الجمركية التي فرضها على معظم دول العالم.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، الثلاثاء، إن «هذه الحرب مسؤولية (الرئيس الأميركي السابق) جو بايدن، وأوضح الرئيس ترمب رغبته في رؤية اتفاق سلام متفاوض عليه. كما أبقى الرئيس ترمب كل الخيارات مطروحة بذكاء». لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ترمب مستعداً لفرض المزيد من العقوبات. وهو التزم الصمت بشأن ما إذا كان يدعم جهوداً مشتركةً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس لتعزيزها. وواجهت روسيا سنوات من العقوبات الأميركية. ويعتقد الخبراء أنه يمكن تشديدها على قطاعي الطاقة والمصارف.
خطط لعقوبات
وأفاد دبلوماسي مطلع على المناقشات، طالباً عدم نشر اسمه، بأن وزارتي الخارجية والخزانة تعملان على صوغ حزم عقوبات محتملة ضد روسيا تركز على هذين القطاعين. وأضاف أن الفرق نفسها تُقيّم أيضاً فاعلية نظام العقوبات الحالي وتدرس إمكان إلغاء بعض العقوبات القائمة. لكن أي تغيير سيعتمد على التفضيل الشخصي لترمب، الذي أوضح أنه وحده صاحب القرار في السياسة الأميركية. حتى الآن، لم يُتخذ أي إجراء للضغط على بوتين أو دعم أوكرانيا، التي لا تزال تتلقى الدفعات الأخيرة من المساعدات العسكرية التي أُقرت خلال إدارة بايدن. ومن المقرر أن تنتهي هذه المساعدات في الأشهر المقبلة، ولم يُشر ترمب إلى خطط لإحيائها أو تمديدها، مما يضع كييف في موقف استراتيجي غير مؤكد.
ولسنوات، أشاد ترمب بعلاقته الوثيقة مع بوتين، وقلل من شأن دور العدوان الروسي في الحرب في أوكرانيا. بل لام أوكرانيا على الغزو الروسي. وانتقد بايدن لسماحه بحصول الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وأودى بحياة مئات الآلاف، وفقاً لتقديرات الاستخبارات.
وخلال حملته الانتخابية، أعلن ترمب عن نيته حسم الحرب في غضون 24 ساعة، حتى قبل توليه منصبه – مع أنه قال في مارس (آذار) الماضي إنه كان «ساخراً بعض الشيء».
وعلى رغم كل ذلك، أبدى ترمب اهتماماً بالرئيس الروسي، مشيداً الأسبوع الماضي بـ«محادثته الجيدة مع رجل لطيف يُدعى فلاديمير بوتين»، التي اتسمت بـ«روح ممتازة». وأكد رغبته في تجاوز الحرب لإحياء العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وروسيا، على رغم رفض الكرملين طلب ترمب وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما قبلته أوكرانيا. وفي اتصال هاتفي مع القادة الأوروبيين عقب المحادثة مع بوتين، قال ترمب إن بوتين لا يبدو مستعداً للسلام. وكما فعل الثلاثاء، عبر ترمب أحياناً عن إحباطه من استمرار الهجوم الروسي ضد أوكرانيا.
سياسة الإكراه
وفي أواخر أبريل (نيسان) الماضي، وفي اليوم نفسه الذي اجتمع فيه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال جنازة البابا فرانسيس بروما، أطلق ترمب مجموعة من الشكاوى حول مفاوضات السلام والتصوير الإعلامي لجهوده الرامية إلى وقف النار في أوكرانيا. وقال ترمب: «لم يكن هناك ما يدعو بوتين لإطلاق الصواريخ على المناطق المدنية والمدن والبلدات خلال الأيام القليلة الماضية»، مضيفاً أن «هذا يجعلني أعتقد أنه ربما لا يريد وقف الحرب، بل يجرّني إلى ذلك فحسب، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، من خلال المعاملات المصرفية أو العقوبات الثانوية؟ يموت الكثير من الناس!!!».
وقال وزير الخارجية ماركو روبيو للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: «إذا بدأتم بالتهديد بفرض عقوبات، سيتوقف الروس عن الكلام. ومن المهم أن نتمكن من التحدث معهم ودفعهم للجلوس على طاولة المفاوضات».
ويتناقض هذا القلق بشكل صارخ مع استراتيجية ترمب بشأن الإكراه الاقتصادي، التي تبناها كتكتيك تفاوضي في كل ظرف تقريباً: ضد الاتحاد الأوروبي، والصين، وجامعة هارفارد، وشركات المحاماة التي يعتبرها منتقدة لأفعاله.
وكان الرئيس بايدن امتنع عن فرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الروسي – على سبيل المثال، من خلال استهداف مشتري النفط والغاز الروسيين – خشية أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وانعكاس ذلك على الناخبين الأميركيين.