طموحات واسعة ترافق قمة حماية المحيطات برئاسة فرنسا وكوستاريكا

بعد عقدها في نيويورك عامي 2017 و2022، تتأهب مدينة نيس الفرنسية الواقعة على «الشاطئ اللازوردي»، المعروف كذلك بـ«الريفييرا الفرنسية»، لاستقبال قمة الأمم المتحدة الثالثة لحماية المحيطات ما بين 9 و13 يونيو (حزيران) التي يتوقّع أن يحضرها ما لا يقل عن مائة بعثة عالمية، ونحو 50 رئيس دولة وحكومة.
وهذا الجمع الاستثنائي يعكس المخاوف من تدهور أوضاع المحيطات، وتكاثر المخاطر المحدقة بها. ولا يقتصر الحضور على البعثات الرسمية، بل سعى المنظمون لضم المنظمات غير الحكومية، والمعاهد البحثية المتخصصة، وجمعيات المجتمع المدني، والشخصيات الناشطة في هذا الحقل، بحيث أن المدنية الساحلية وجوارها يتأهبان لاستقبال ما لا يقل عن 100 ألف شخص لأسبوع كامل من الاجتماعات الرسمية، والندوات، وحلقات النقاش العلمية وورش العمل.
وفي المحصّلة، يفترض أن تصدر عن قمة نيس «خطة عمل لحماية المحيطات». ووصف الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي سيتشارك الرئاسة مع نظيره الكوستاريكي رودريغو تشافيز روبليس، في بيان صحافي الجمعة، الحدث بأنّه «يُمثّل فرصة جوهرية في مجال حوكمة المحيط. وستمثل اتفاقات نيس إطاراً يجتمع ضمنه المجتمع العلمي من أجل إنذار رؤساء الدول وتوجيه أعمالهم في مجال المناخ، كما تعمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ. وينبغي أخيراً أن يصبح مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيط حيزاً للتضامن، ندعم فيه البلدان النامية من أجل التكيّف مع الاقتصاد الأزرق الحديث، والتصدي للصيد غير القانوني، وحيّزاً نساعد فيه المجتمعات المحلية والمناطق الساحلية التي تعاني من النتائج المترتبة على التغيرات المناخية».
من جانبه، قال رئيس كوستاريكا، في افتتاحية تضمّنها ملف قصر الإليزيه عن القمة، إن «حماية المحيطات ليست فقط عملاً بيئوياً، بل هي واجب أخلاقي. ولن نتمكن من ضمان كوكب سليم ومزدهر للأجيال القادمة إلا من خلال عمل سريع ومُنسّق»، داعياً إلى اعتبار حماية المحيطات «أولوية» دولية.
إنقاذ المحيطات
تُغطّي البحار والمحيطات نسبة 70 في المائة من مساحة الكوكب. وتتعرّض اليوم إلى ضغوط جمة، مثل آثار تغير المناخ، والتلوث، والاستغلال المفرط للموارد البحرية، مع أنّها تُعدّ عاملاً رئيسياً لانتظام التوازنات البيئية الرئيسية، وتوفير الموارد الغنية والمحافظة على التنوع البيولوجي.
كذلك، فإن المحيطات تؤدي دوراً أساسياً في التبادل الاقتصادي، وتمثّل همزة الوصل الأساسية بين البلدان والمجتمعات البشرية. غير أنها أيضاً منصّة تبرز فيها النزاعات بين الدول المشاطئة، كما هي الحال مثلاً في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن الخلافات بخصوص المناطق الخالصة. يضاف إلى ذلك آثار التنافسات الاقتصادية والجيوسياسية؛ كالقرصنة، وانقطاع الكابلات البحرية، والنزاعات حول الحدود البحرية، والتعدين في أعماق البحار.
ويعود اهتمام فرنسا بهذه التحديات بالدرجة الأولى، لكونها تتمتع بثاني أكبر منطقة بحرية في العالم، حيث تمتد على مساحة 11 مليون كيلومتر مربع وتضم 10 في المائة من التنوع البيولوجي البحري. وكتب جان نويل بارو، وزير الخارجية، في مقال نشرته، السبت، صحيفة «لو فيغارو» أن «المحيط قارة مهملة، بل منسية أحياناً». لكن هذا الحكم لا ينطبق على فرنسا التي وصفها الوزير الفرنسي بأنها «أمة محيطية… ولهذا السبب، تقع على عاتقنا مسؤولية حماية المحيط، ومن أجل ذلك، يتعيّن علينا تعبئة جميع الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي في مجال الدبلوماسية الزرقاء».
رغم الحشد الرسمي والخاص، فإن نقطة الضعف الرئيسية للقمة أن ما سيصدر عنها بنهاية المؤتمر، إن كان الإعلان السياسي أو لائحة الالتزامات، يبقى العمل بموجبه طوعياً ويعتمد فقط على حسن نية وإرادة الفاعلين على المستويين الحكومي والخاص. أما علامة الاستفهام الكبرى، فتتناول مشاركة الولايات المتحدة، خاصة بعدما أعلن دونالد ترمب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ التي يندرج انعقاد قمة المحيطات في إطارها.
أولويات القمة
ثمة ثلاث أولويات سيركز عليها المؤتمرون، وأولها العمل على إطلاق توافق على القيام بمبادرات وعمليات متعددة الأطراف بين الدول الراغبة من أجل المحافظة على المحيطات. وتُركّز الأولوية الثانية على حشد التمويل من أجل الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية، واستخدامها على نحوٍ مستدام لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم تنمية اقتصاد «أزرق» مستدام. وتركز الأولوية الثالثة على تعزيز المعارف المرتبطة بعلوم البحار، وتحسين أوجه نشرها من أجل إتاحة اتخاذ قرارات سياسية أفضل.
وبالتوازي، أعلنت وزارة الانتقال البيئوي الفرنسية عن تنظيم اجتماع لـ«برلمان البحر»، الذي سيضم 30 نائباً فرنسياً، و30 نائباً أوروبياً، و30 نائباً دولياً من أجل تنظيم نقاش حول التحديات المرتبطة بالمحيطات. وشدّد الجانب الفرنسي على أن الغرض، إضافة إلى الإعلان السياسي، تسهيل قيام تحالفات بينية وإطلاق مشاريع عملية تكون مرتبطة بالتحديات والمخاطر المباشرة التي تعاني منها البحار والمحيطات.
لذا، فإن ملف محاربة تلوّثها بسبب أطنان البلاستيك التي ترمى فيها سيكون على رأس المواضيع المتناولة. وينتظر أن يصدر بيان عن مجموعة من الدول المشاركة يتناول التلوث البلاستيكي. ووفق الأرقام التي ذكرها بارو، فإن 15 طناً من البلاستيك ترمى في المحيطات كل دقيقة، وأن ثلث الأسماك المصطادة تنتمي إلى أنواع تجد صعوبة في التجدد. كما بلغت درجات الحرارة مستويات قياسية الصيف الماضي. فحرارة مياه البحر المتوسط تجاوزت العام الماضي 30 درجة مئوية.
ودعا بارو إلى «التحرك بسرعة أكبر وبشكل جماعي أكثر من أي وقت مضى، لوقف تدهور الأنظمة البيئية وإنقاذ التنوع البيولوجي».
ثمة ملف رئيسي آخر يفرض نفسه ويتناول مكافحة الصيد غير القانوني الذي «يقتل النُّظم البيئية البحرية، ويدمر الاقتصادات المحلية، وينتهك حقوق الإنسان من خلال ممارسات قريبة من العبودية الحديثة»، حسبما أفادت به وزارة الانتقال البيئوي الفرنسية. كذلك سيولي المؤتمرون أهمية خاصة باتجاه المصادقة على معاهدة الأمم المتحدة بشأن أعالي البحار التي اعتُمدت في عام 2023، وصدّقت عليها حتى اليوم 21 دولة، والمطلوب أن تصدّق عليها 60 دولة لتصبح نافذة. وتهدف هذه المعاهدة إلى إنشاء مناطق بحرية محمية في أعالي البحار، وإخضاع الأنشطة الصناعية لتقييمات بيئية، وضمان تقاسم عادل للموارد الجينية البحرية. وسيتولى باحثون ومنظمات غير حكومية ومؤسسات دولية مثل اليونيسكو والبنك الدولي عرض أعمالهم حول النُّظم البيئية الساحلية، وأعماق المحيطات، والتنوع البيولوجي البحري.