هل تواطأت «MI6» مع «CIA» في التعذيب؟

تواجه الحكومة البريطانية هذا الأسبوع اختباراً غير مسبوق أمام القضاء، مع بدء محاكمة نادرة تسلط الضوء على اتهامات موجهة إلى وكالات الاستخبارات البريطانية بالتواطؤ في عمليات تعذيب نفّذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وفقاً لموقع «الغارديان».
وتُعقد جلسات القضية أمام محكمة سلطات التحقيق (IPT) المختصة بالنظر في أنشطة الأجهزة الأمنية البريطانية، وذلك للنظر في دعويين رفعهما اثنان من المعتقلين في الأميركي، هما السعودي عبد الرحيم النشيري والسعودي المولد مصطفى الحوساوي، اللذان يزعمان أن «MI5» و«MI6» تورطتا في تعذيبهما خلال فترة احتجازهما في «المواقع السوداء» التابعة لـ«سي آي إيه».
وتستمر جلسات المحاكمة لمدة أربعة أيام في جلسات مغلقة، في خطوة قد تشكل سابقة قانونية في معالجة ملف لطالما بقيَ طيَّ الكتمان لسنوات، بعد أن أوقفت الحكومة البريطانية عام 2018 تحقيقاً علنياً حول القضية رغم المطالبات الحقوقية والبرلمانية المتكررة بالكشف عن الحقائق.
شهادات وممارسات موثقة
يؤكد محامو المعتقلَين أن لديهم أدلة موثوقة على تورط الاستخبارات البريطانية في تسليم معلومات أو تنسيق مباشر مع «سي آي إيه» خلال عمليات الاستجواب العنيفة التي تعرض لها موكلاهم، بما في ذلك ما تصفه تقارير طبية مستقلة بـ«الاعتداء الجنسي الممنهج» من خلال التغذية الشرجية القسرية.
وحسب وثائق تم تقديمها للمحكمة، فإن الحوساوي والنشيري تعرضا لصنوف متعددة من الإيذاء الجسدي والنفسي خلال احتجازهما في منشآت سرية داخل أفغانستان وعدة دول، قبل نقلهما إلى غوانتانامو عام 2006 ضمن قائمة معتقلين صنَّفتهم الولايات المتحدة «عالي القيمة».
ولا يزال الرجلان محتجزين حتى اليوم من دون محاكمة نهائية، رغم مضي أكثر من 20 عاماً على اعتقالهما، في انتهاك صارخ لمبادئ العدالة الدولية، حسب وصف منظمات حقوقية.
تساؤلات معلّقة
تأتي المحاكمة في وقت تستعيد فيه بريطانيا جدلاً قديماً حول مدى علم ودور أجهزتها في انتهاكات ما بعد «11 سبتمبر». ويشير محامو الدفاع إلى تقرير صادر عن لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني عام 2018، خلص إلى أن «MI6» قدّمت أسئلة لتحقيقات «CIA» رغم علمها المسبق بأن المعتقلين يتعرضون لتعذيب قاسٍ.
وتقول اللجنة، التي توقفت أعمالها بشكل مفاجئ في ذلك الوقت، إنها واجهت صعوبات في الوصول إلى مستندات حاسمة، بسبب رفض التعاون من وزارات سيادية ورؤساء الأجهزة الأمنية.
وثيقة تثير الشبهات
عشية بدء المحاكمة، كشفت وثيقة استخباراتية أُفرج عنها عام 2017، وأعادت تحليلها وحدة «Unredacted» للأبحاث بجامعة ويستمنستر، أن القيادة المركزية لـ«CIA» طلبت من محققيها في 2003 الضغط على الحوساوي للحصول على معلومات تتعلق بشبكات في المملكة المتحدة.
وقال الدكتور سام رافائيل، مدير الوحدة، إن البرقية تطرح سؤالاً محورياً: «مَن الذي زوّد (CIA) بتلك الأسئلة؟ وهل كان ذلك بالتنسيق مع الاستخبارات البريطانية؟».
ورغم أن الحكومة لم تُفصح حتى الآن عن نتائج التحقيقات السرية الجارية منذ عامين، فإن المحكمة قد تفرض الكشف عن معلومات للمرة الأولى، مما يعيد الجدل إلى قلب الحياة السياسية البريطانية، ويضع الحكومة أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية لطالما سعت إلى تجنّبها.