22 June، 2025
عالمية

«ورقة عمل» شاملة أعدتها باريس لاجتماع جنيف حول نووي إيران

  • يونيو 21, 2025
  • 0 min read
«ورقة عمل» شاملة أعدتها باريس لاجتماع جنيف حول نووي إيران

استبق الرئيس الفرنسي انطلاق اجتماع جنيف الذي التأم بعد ظهر الجمعة ويضم، من جهة، وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (جان نويل بارو، وديفيد لامي، ويوهان وادفول وكايا كالاس)، ومن جهة أخرى وزير خارجية إيران عباس عراقجي؛ في محاولة لاحتواء الحرب الدائرة منذ أسبوع بين إيران وإسرائيل ومنع تصعيدها، والاستفادة من «مهلة الأسبوعين» التي أقرّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تاركاً للدبلوماسية الأوروبية الفرصة للتحرك قبل أن يقرر ما إذا كانت بلاده ستشارك في الحرب إلى جانب إسرائيل.

وكشف ماكرون عن أن باريس أعدت «ورقة عمل» تم التشاور بشأنها بين عواصم الترويكا الأوروبية، ولكن أيضاً مع الجانب الأميركي من خلال التواصل الهاتفي، ولكن أيضاً بفضل المحادثات التي أجراها وزير الخارجية البريطاني مع نظيره ماركو روبيو في واشنطن، الخميس.

الوفد الأوروبي المفاوض ويظهر في الصورة من اليسار إلى اليمين: وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الجمعة بمقر القنصلية الألمانية في جنيف (أ.ف.ب)

وليس سراً أن ماكرون، بعد فترة من التعبير عن دعم باريس للحرب التي تقوم بها إسرائيل ضد إيران؛ بسبب ما تمثله إيران من «تهديد وجودي» لإسرائيل، وبسبب حق الأخيرة في «الدفاع عن النفس»، ابتعد قليلاً عن هذا الموقف وعبَّر عنه بعد انتهاء قمة مجموعة السبع في مقاطعة ألبرتا الكندية.

والجمعة، زار ماكرون معرض الطيران والفضاء في مدينة لو بورجيه القائمة على مدخل باريس الشمالي، واستفاد من المناسبة لإعادة توضيح موقف بلاده الذي أصبح أكثر انتقاداً لما تقوم به إسرائيل، والمندد بمن يسعى إلى إسقاط النظام الإيراني، ليس حباً به، بل تخوفاً من حالة الفوضى التي ستتبعه.

تهديد الأمن الإقليمي والعالمي

بداية، شدد ماكرون على أن الوضع في الشرق الأوسط «من الناحية الموضوعية، يشكل مصدر قلق، ويحمل في طياته مخاطر التصعيد التي تهدد أمن المنطقة والأمن الدولي». وأضاف الرئيس الفرنسي: «لهذه الأسباب؛ يجب أن نكون جميعاً يقظين وجديين، ونتعامل مع الوضع من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات». واستدرك أنه لا تتعين الاستهانة بـ«الخطر الذي يشكّله امتلاك إيران السلاح النووي» الذي وصفه بـ«التهديد الجدي والحقيقي»، لا، بل إنه «تهديد وجودي لإسرائيل»، كما أنه يشكل خطراً بالنسبة للقارة الأوروبية.

بيد أن ماكرون الذي سبق له أن اتصل، كما كثير من القادة الغربيين، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وينوي إعادة الاتصال به قريباً، دون أن يحدد موعداً دقيقاً، لا يرى أنه من الممكن إزالة الخطر النووي الإيراني من خلال العمليات العسكرية، وفي ذلك انتقاد ضمني لإسرائيل وللولايات المتحدة على السواء التي لا يستبعد رئيسها اللجوء إلى السلاح.

جانب من لقاء ترمب وماكرون بالبيت الأبيض في فبراير الماضي (أ.ب)

وقال ماكرون، رداً على سؤال بهذا الخصوص: «لا يمكن لأحد أن يعتقد بجدية أن هذا التهديد تمكن مواجهته من خلال العمليات الجارية حالياً. لماذا؟ لأن هناك منشآت نووية محمية للغاية، ولا أحد يعلم بدقة أين يُخزَّن اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة. لذلك؛ لا بد من استعادة السيطرة على هذا البرنامج من خلال الخبرة التقنية والمفاوضات».

انتقادات باريس لما يجري في الحرب الدائرة لا تتوقف عند هذا الحد. فماكرون متمسك بموقفه الذي وصفه بـ«الواضح والبسيط» وفحواه: «لا شيء يبرر شن ضربات على البنية التحتية للطاقة أو على المدنيين. ومن الضروري إعطاء الأولوية المطلقة للعودة إلى مفاوضات جوهرية تشمل الملف النووي؛ بهدف الوصول إلى صفر تخصيب، وللحد من الأنشطة والقدرات الباليستية الإيرانية، ووقف تمويل (إيران) للجماعات الإرهابية والمزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهو ما تفعله منذ سنوات».

قادة أميركا واليابان وكندا وفرنسا وإيطاليا في اجتماع «مجموعة السبع» في كندا (إ.ب.أ)

وبكلام آخر، فإن الرئيس الفرنسي حمَّل وزير خارجيته «مقترحاً شاملاً للتفاوض» مع طهران يتشكل من جزأين: أحدهما سياسي دبلوماسي والآخر تقني. ورغم تمسك باريس بالاتفاق النووي مع طهران الذي أبرمته مجموعة خمسة زائد واحد في عام 2015 وصادق عليه مجلس الأمن بقراره رقم 2231، فإنه يعدّه «ناقصاً». وحثّ ماكرون الرئيس ترمب، في عام 2018، خلال ولايته الأولى، على عدم الانسحاب من الاتفاق المذكور وعلى المحافظة عليه، شرط إعادة فتح باب التفاوض مع طهران من أجل تشديد القيود المفروضة على برنامجها النووي من جهة، واستكماله بالتفاوض حول أنشطتها الباليستية وسياستها «المزعزعة للاستقرار» في الإقليم.

مضمون ورقة العمل الفرنسية

بيد أن طهران رفضت دوماً توسيع دائرة التفاوض وحصرتها بالأنشطة النووية. وعندما يتحدث ماكرون عن «صفر تخصيب» للنووي، فإنه يتبنى الشروط الأميركية؛ إذ إن ترمب يريد حرمان طهران من تخصيب اليورانيوم على أراضيها نهائياً، ويقترح بدلاً من ذلك إنشاء هيئة دولية تقوم بالتخصيب وتستطيع إيران المشاركة فيها والاستفادة منها. وتفيد معلومات متداولة في الأوساط المتابعة للملف النووي بأن إيران «أبدت انفتاحاً باقتراحها حلاً وسطاً» بحيث تحتفظ بالتخصيب حتى النسبة التي كان منصوصاً عليها في اتفاق 2015 أي 3.67 في المائة من النقاء على أن التخصيب بدرجات أعلى يمكن أن يتم خارج أراضيها. ولخَّص ماكرون العرض الفرنسي بنقاط ثلاث:

قادة «مجموعة السبع» مع رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي في كاناناسكيس الاثنين الماضي (رويترز)

1. استئناف أعمال التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذهاب إلى سفر تخصيب صفر، وتمكين الوكالة الدولية من الوصول إلى جميع المواقع التي ترغب في تفتيشها. وبذلك، يشير ماكرون، عملياً، إلى العوائق التي بدأت إيران بوضعها أمام عمل مفتشي الوكالة منذ أن خرج ترمب من اتفاق عام 2018، وإلى المواقع التي لم تحصل الوكالة على أجوبة «مقنعة» لليروانيوم المشبع الذي وجدت آثاره فيها والتي يمكن أن تدل على وجود برنامج نووي عسكري سعت طهران لإخفائه.

2. وضع قيود على الأنشطة الباليستية الإيرانية، ومصدر القلق الإسرائيلي والغربي أن يكون تطوير إيران قدراتها الباليستية بمثابة تمهيد لتصنيع صاروخ يمكن تحميلة برأس نووي. ولا شك أن تزايد التكهنات بأن إيران قادرة على تصنيع ما لا يقل عن عشر قنابل نووية بفضل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة والبالغ نحو 400 كلغ، فضلاً عن تقلص المدة الزمنية التي تحتاج إليها لذلك ضاعف من الشكوك الإسرائيلية والغربية.

3. فرض رقابة على تمويل الميليشيات ووكلاء إيران في المنطقة، في إشارة إلى الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان والميليشيات العراقية المرتبطة بطهران، فضلاً عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي».

يتضح مما سبق أن باريس تعارض السياسة الإسرائيلية القائمة على القضاء على برنامج إيران النووي بقوة السلاح ومن خلال عمليات القصف، كما أنها تعارض مسعى تل أبيب للتخلص من النظام الإيراني، وهو ما لمح إليه نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين، في الكثير من المرات، في الأيام الأخيرة. كذلك، فإن ماكرون ينبه الرئيس ترمب من الانضمام المباشر للحرب، وسبق له أن ذكَّر واشنطن بما حصل في العراق وليبيا على وجه الخصوص.

متظاهرون عراقيون من أتباع السيد مقتدى الصدر يتظاهرون الجمعة في «مدينة الصدر» منددين بالولايات المتحدة (أ.ب)

يبقى أن اجتماع جنيف لا يمكن أن يفضي إلى نتيجة من غير قبول ودعم أميركيين. وترى الترويكا الأوروبية التي تتفاوض مع إيران منذ عام 2003 حول برنامجها النووي أنها يمكن أن تلعب دوراً مفيداً بإبقاء باب الحوار قائماً مع طهران التي، من جانبها، تشعر بعزلة مميتة في حربها مع إسرائيل ولا تجد ضيراً في الانفتاح على الأوروبيين. إلا أن ما تريده حقيقة هو اتفاق مع واشنطن وقد يساعدها هؤلاء على بلوغ مبتغاها.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *