ترمب يبدد آمال الأوكرانيين والأوروبيين بتغيير موقفه من بوتين… ويصفه بـ«الرجل اللطيف»

عاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى المربع الأول في موقفه من الحرب الروسية – الأوكرانية، قائلاً إن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في «الصراع» الأوكراني، عادّاً أنه كان ينبغي أن يظلَّ هذا النزاع «قضية أوروبا وحدها»، مكرراً التلويح بوقف وساطته في حال فشل الطرفين في التوصُّل إلى اتفاق.
وصرَّح ترمب للصحافيين، في البيت الأبيض: «أعتقد أن شيئاً ما سيحدث، وإن لم يحدث، فسأتنحى جانباً، وسيضطرون هم إلى الاستمرار. هذه القضية هي قضية أوروبية، ويجب أن تظل أوروبية، لكننا تدخلنا لأن الإدارة السابقة اعتقدت بضرورة تدخلنا، وكنا أكثر انخراطاً من أوروبا نفسها من حيث المال، وكل ما قدمنا».
وأضاف ترمب: «لقد خصَّصنا مبالغ طائلة، أعتقد أنها مبالغ قياسية مُخصَّصة لدولة أجنبية. ولم يسبق أن شهدنا مثل ذلك، سواء من أسلحة أو أموال. أما أوروبا فقد قدَّمت كثيراً، لكنها لم تقترب مما قدَّمناه، ربما خصَّصنا نحو 3 أضعاف ما قدَّمته أوروبا، وهذا أمرٌ مخزٍ بكل بساطة، هذه القصة برمتها وصمة عار».
يذكر أن الولايات المتحدة قدَّمت، منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 2022، أكثر من 182 مليار دولار، في حين قدَّم الأوروبيون 134 مليار دولار.
وفي سياق آخر، أكد ترمب عدم وجود عسكريين أميركيين على الأرض في أوكرانيا، مشيراً إلى أن هذا الأمر لم يحدث في الماضي، ولن يحدث في المستقبل كذلك. وقال: «ليس لدينا جنود على الأرض هناك، ولا يمكن أن تكون لدينا قوات على الأرض، لكن لدينا نصيب كبير من الصراع في أوكرانيا، والمبلغ المالي الذي استثمرناه كان جنونياً. المبلغ الذي استثمرناه هو رقم قياسي».
بوتين «رجل لطيف»
وفي وقت لاحق، وصف ترمب نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه «رجل لطيف». وقال خلال حفل عشاء لمجلس أمناء مركز «جون كيندي للفنون المسرحية»: «أجريت محادثةً قصيرةً مع رجل لطيف يُدعى بوتين. أجرينا في الواقع محادثةً جيدةً، وأحرزنا تقدماً».
وفي الحفل نفسه، أكد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن ترمب لا يسعى فقط إلى إنهاء الحروب، بل يعمل جاهداً لمنع اندلاعها من الأساس. وأضاف: «ترمب يريد السلام، في حين يميل بعض الأوروبيين نحو الخيارات العسكرية». وأشاد بخطاب ترمب في السعودية واصفاً إياه بأنه «من أكثر الخطابات تأثيراً في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية». وقال: «لا أعلم كم منكم سنحت له الفرصة وشهد خطاب الرئيس ترمب في السعودية؟ أعتقد أنه أكثر الخطابات عمقاً في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية». وأضاف: «نحن نحدِّد الرؤية للمستقبل ورؤيةً للازدهار… وأقول للناس لدينا رئيس يقف من أجل السلام… إنه لشرف عظيم أن أعمل مع رئيس يمضي نصف يومه أو ربما أكثر من ذلك وهو يحاول أن يوقف الحرب، بل حتى يمنع وقوعها… إنه لشيء عظيم أن أكون جزءاً من ذلك… وشكراً لكم على قيادتكم هذه».
وكان ترمب قد أجرى في وقت سابق اتصالاً هاتفياً ببوتين؛ لبحث مستقبل الحرب في أوكرانيا. من جهته وصف بوتين المحادثة الهاتفية بأنها كانت «ذات معنى، وصريحة، ومفيدة للغاية»، مشيراً إلى أنها استمرَّت لأكثر من ساعتين. وأعرب عن امتنانه لترمب لمشاركة الولايات المتحدة الأميركية في استئناف المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.
تجدد المخاوف
وبدا أن تصريحات ترمب الجديدة، بما في ذلك تصريحات روبيو، قد أعادت المخاوف للأوكرانيين والأوروبيين من احتمال فشلهم في تغيير موقفه الذي عُدَّ منحازاً لروسيا، حتى من قبل توليه الرئاسة الأميركية. ورغم الاجتماعات الأخيرة المطولة التي عُقدت مع كبار المسؤولين في إدارة ترمب، وكان آخرها بين نائب الرئيس جي دي فانس، والوزير روبيو، مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في روما، على هامش حضورهم حفل تنصيب البابا الجديد، فإنها فشلت في تحقيق ذلك.
واتهم زيلينسكي، الثلاثاء، روسيا بمحاولة «كسب الوقت» وعدم الانخراط في محادثات جدية للتوصُّل إلى تسوية للحرب. وقال: «من الواضح أن روسيا تحاول كسب الوقت بهدف مواصلة حربها واحتلالها».
وكان ترمب قد أعلن، أمس، أن روسيا وأوكرانيا «ستباشران فوراً مفاوضات للتوصُّل إلى وقف إطلاق النار». وهو ما عُدَّ تراجعاً عن خطته التي اشترط فيها وقفاً لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، للدخول في مفاوضات لوقف الحرب، وافقت عليها أوكرانيا وحلفائها الأوروبيون. ويوم الثلاثاء توقَّع الكرملين أن تكون العملية طويلةً وصعبةً، مشيراً إلى أن موسكو ستواصل القتال حتى تقبل كييف بشروطها.
عامل تأخير جديد
وبدا أن الرئيس الروسي قد نجح خلال مكالمته الهاتفية مع ترمب في إضافة عامل تأخير جديد إلى العملية: ضرورة قيام كل جانب بصياغة «مذكرة» حول شروط معاهدة سلام مستقبلية. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحافيين يوم الثلاثاء: «لا يوجد إطار زمني، ولا يمكن أن يكون هناك إطار زمني». وأضاف: «هذا سيكون صعباً وسيستغرق وقتاً… والشيطان يكمن في التفاصيل». وقال إن الجانبين سيُعدّان مسودات ويتبادلانها، وبعد ذلك ستكون هناك اتصالات شاقة لصياغة نص واحد.
ورغم أن البعض عدَّ مطالبة الولايات المتحدة لبوتين بإظهار جديته بشأن السلام، نمطاً جديداً، فإن الكرملين يصرُّ على أن التوصُّل إلى وقف إطلاق نار فوري، تَحْول دون تحقيقه التعقيدات وصعوبة التوصُّل إلى اتفاق سلام أوسع. وصرَّح مستشار بوتين، يوري أوشاكوف، أن «ترمب وبوتين لم يناقشا موعداً نهائياً لوقف إطلاق النار»، لكنه أضاف أن «ترمب قال إنه يجب أن يأتي في أقرب وقت ممكن».
ومع ذلك، وضعت روسيا سلسلةً من الشروط القاسية على أوكرانيا لأي وقف لإطلاق النار، من بينها التخلي عن مزيد من الأراضي، وعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتقليص حجم جيشها بشكل كبير ووقف تسليحه. وهو أمر غير مقبول بالنسبة لكييف؛ لأنها ترى أن من شأنه أن يضع البلاد تحت سيطرة موسكو ويمكِّنها من إعادة تسليح نفسها من جانب واحد استعداداً لهجوم جديد. ويوم الثلاثاء، كرَّر بيسكوف الموقف الروسي الداعي إلى تسوية الصراع من خلال «القضاء على الأسباب الجذرية».
خيبة أمل أوكرانية – أوروبية
وبدَّد الاتصال الهاتفي بين ترمب وبوتين آمال كييف في أن تتحالف الولايات المتحدة مع أوروبا وتُجبر روسيا على وقف إطلاق النار، بعدما أعلن ترمب بأنه لن يُشدّد العقوبات على روسيا.
وصرَّح مساعد الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، أنَّ الاتصال «لم يُغيّر الوضع الراهن للأسف». وأضاف أن أوروبا وأوكرانيا تريدان وقف إطلاق نار فورياً، لكن الولايات المتحدة لا تزال تعتقد أن روسيا ستوافق على ذلك من أجل مصالحها التجارية.
ويأمل الاتحاد الأوروبي في أن تتخذ الولايات المتحدة «إجراءً قوياً» في حال استمرَّت روسيا في رفض وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بحسب ما قالت مسؤولة السياسة الخارجية في التكتّل، كايا كالاس، اليوم (الثلاثاء).
وصرَّحت كالاس، قبيل بدء اجتماع لوزراء الدفاع في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بأن «الولايات المتحدة قالت إنه في حال عدم قبول روسيا وقفاً غير مشروط لإطلاق النار، فستكون لرفضها تبعات. ونحن نريد أن نرى إذن هذه التبعات».
وعقب مكالمته مع قادة أوروبيين، ساد انطباع واضح بأن ترمب قد لا يكون مستعداً لزيادة الضغط على بوتين في أي وقت قريب، بل قد يكون مستعداً لتقليص مشارَكة الولايات المتحدة في الوساطة. وقبل أسبوع واحد فقط، هدَّد القادة الأوروبيون روسيا بعقوبات كبيرة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إذا لم تقبل بوقف إطلاق نار فوري. لكن التهديدات التي أطلقها الزعماء الأوروبيون بدت أكثر حذراً بعد المكالمة الهاتفية التي جرت، يوم الاثنين، حتى مع تعبيرهم عن إحباطهم من تحركات بوتين.
وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، الثلاثاء، في اجتماع للاتحاد الأوروبي: «من الواضح أن فلاديمير بوتين يواصل اللعب على الوقت». وأضاف أنه على الرغم من أن روسيا «مستعدة للحديث عن مذكرة تفاهم»، فإنه لا يوجد حتى الآن «أي مؤشرات» على وقف إطلاق النار. وأضاف بيستوريوس أن الداعمين الأوروبيين لكييف يمكنهم الاستمرار في إمدادها بالأسلحة أو الأموال «بقدر استطاعتنا، وفي الوقت نفسه، بالطبع، يمكننا الاستمرار في المشارَكة في الجهود الدبلوماسية، لكنني مقتنع بأن الاتحاد الأوروبي يستطيع، بل يجب عليه، أن يفعِّل، تشديد العقوبات حتى يتضح تماماً أننا لن نستمر في التسامح مع تصرفات روسيا هنا دون عواقب».
ورغم إعلان أوروبا وبريطانيا حزمة عقوبات جديدة على روسيا، فإن أوكرانيا وأوروبا تحتاجان إلى انضمام الولايات المتحدة إلى حزمة العقوبات الجديدة لتكون فعَّالة.
وتبنَّى الاتحاد الأوروبي رسمياً، الثلاثاء، عقوبات جديدة على روسيا. وقال التكتل الأوروبي إن الحزمة السابعة عشرة من العقوبات تستهدف الأسطول الروسي من ناقلات النفط «الخفية»، وهدَّد بمزيد من العقوبات على موسكو لعدم موافقتها على هدنة في أوكرانيا.
حزمة من العقوبات الأوروبية
وكتبت كايا كالاس على «إكس» أن «الاتحاد الأوروبي وافق على الحزمة السابعة عشرة من العقوبات على روسيا، التي تستهدف قرابة 200 من سفن أسطول الظل». وأضافت: «يجري الإعداد لمزيد من العقوبات على روسيا. كلما أطالت روسيا أمد الحرب، ازداد ردُّنا صرامةً».
وبدورها أعلنت بريطانيا هي الأخرى، الثلاثاء، فرض عقوبات جديدة واسعة النطاق على قطاعات الجيش والطاقة والمالية في روسيا. وذكرت بريطانيا أن هذه العقوبات ضد 100 هدف، وتأتي بعد شن موسكو هجمات بالطائرات المسيَّرة في مطلع الأسبوع على مدن أوكرانية، في أكبر هجوم من نوعه خلال الحرب. وأضافت بريطانيا أن الإجراءات الجديدة، تستهدف سلاسل توريد أنظمة الأسلحة الروسية، بما يشمل «صواريخ إسكندر إم»، وعمليات معلوماتية يمولها الكرملين، والمؤسسات المالية التي تساعد روسيا على التحايل على العقوبات، فضلاً عمّا يعرف بـ«أسطول الظل» الروسي.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي: «ندعو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للموافقة على وقف إطلاق نار شامل وغير مشروط بشكل فوري، حتى يتسنى إجراء محادثات بشأن إحلال سلام عادل ودائم». واستطرد قائلاً: «أوضحنا أن تأخير جهود إحلال السلام من شأنه مضاعفة عزمنا على مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، واستغلال عقوباتنا لتقييد آلة بوتين الحربية».