ترمب يشيد بـ«طي صفحة الدمار» بين رواندا والكونغو الديمقراطية

«اتفاق السلام» بين رواندا والكونغو الديمقراطية… خفض للتوتر ينتظر تفاهمات
اتفاق سلام برعاية أميركية، جمع الكونغو الديمقراطية ورواندا على مسار جديد «يطوى صفحة العنف والدمار»، حسب تأكيد واشنطن، وذلك بعد نحو 6 أشهر من تبادل الاتهامات بدعم حركات تمرد بالبلدين.
ذلك الاتفاق الذي تحدث على «تحييد» القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، ووقف أعمال متمردي «23 مارس» بشرق الكونغو، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه صفحة جديدة من مساعي خفض التوتر بين البلدين تجعلها معلقة بين فرص التقدم ومخاطر الانتكاس، خصوصاً أنها تحتاج إلى تفاهمات بين المتمردين وحكومات البلدين بما يجعل الاتفاق يدخل حيز التنفيذ بشكل قابل للاستمرار.
ووقعت كيغالي وكينشاسا، اتفاق سلام، الجمعة في واشنطن، ينص على إنشاء هيئة تنسيق أمني مشتركة لرصد التقدم، وتعهدتا فيه وقف الدعم للمتمردين بالبلدين، حسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».
ويدعو الاتفاق إلى «تحييد» القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، مع تأكيد وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه اندوهوجيريهي، خلال التوقيع الذي حضره الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن «إنهاء الدعم الحكومي (من الكونغو الديمقراطية لتلك القوات) نهائياً وبشكل لا رجوع عنه، وقابل للتحقق»، ويجب أن يكون «أولوية قصوى».
وسلطت نظيرته الكونغولية، تيريزا كاييكوامبا واغنر، الضوء على الدعوة في الاتفاق لاحترام سيادة الدولة، وقالت إن الاتفاق «يتيح فرصة نادرة لطي صفحة الماضي، ليس بالكلام فحسب، بل بتغيير حقيقي على أرض الواقع»، في إشارة لأهمية وقف دعم رواندا لحركة «23 مارس» المتمردة التي حققت تقدماً سريعاً في شرق الكونغو منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، واستولت على بلدات رئيسية وأراضٍ شاسعة في اشتباكات أسفرت عن مقتل الآلاف.
ويستشري العنف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد، الواقعة على الحدود مع رواندا، منذ ثلاثة عقود، وقد تجدد بعد أن شن متمرّدو الحركة هجوماً نهاية 2021، ومنذ نهاية ذلك العام أُقرَّ أكثر من 10 اتفاقات هدنة بتلك المنطقة، لكن كلّ المحاولات الدبلوماسية لإنهاء النزاع باءت بالفشل.
الباحث المختص في قضايا الصراعات والأمن في أفريقيا، محمد تورشين، يرى أن مخرجات تفاهمات البلدين في واشنطن تعد «بمثابة اتفاق تاريخي ينهي فصولاً من الصراع والاقتتال والتوتر وعدم الاستقرار بين البلدين تجاوزت 3 عقود، خصوصاً أن الاتفاق المأمول تنفيذه نص على وقف دعم الحركات المناوئة لأنظمة الحكم في كيغالي وكينشاسا».
ويعتقد تورشين أن نص الاتفاق الواضح في عدم دعم المتمردين سيفتح صفحة جديدة من خفض التصعيد، تنتظر حدوث تفاهمات داخلية بين حكومات البلدين وأطراف التمرد لنرى اتفاقاً ينفذ على أرض الواقع، لافتاً إلى أن هناك مباحثات تستضيفها قطر بين تلك الأطراف لدعم الاتفاق الأميركي وتنفيذه على أرض الواقع، كما يشير إلى أن المعلومات الأولية ومخرجاتها ستكون مهمة جداً في دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
ويرى المحلل السياسي التشادي، المختص بالشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تداعيات الاتفاق مرشحة للتطور خلال الأشهر المقبلة بحسب التزام الأطراف ومواقف الفاعلين المحليين والدوليين، موضحاً أن الاتفاق أمني يشكل تهدئة ميدانية مؤقتة، وإذا التزمت كيغالي بسحب دعمها للمتمردين فعليّاً، فسيكون لذلك أثر فوري على خفض العنف.
ويعتقد عيسى أن تعهد البلدين بوقف مساندة المتمردين خطوة إيجابية على الورق، وأن تحقيق التزام فعلي يتوقف على عوامل متعددة، منها مدى الجدية السياسية، ووجود آليات رقابة شفافة، وتوازن المصالح بين الأطراف، إذا كانت مصالح الأطراف لا تزال مرتبطة بوجود المتمردين.
وعقب الاتفاق الذي ينص على «إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي» في غضون ثلاثة أشهر، قال ترمب: «اليوم تُطوى صفحة العنف والدمار وتبدأ المنطقة بأكملها فصلاً جديداً من الفرص والازدهار»، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستتمكن من الحصول على «الكثير من حقوق التعدين في الكونغو»، بحسب ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وأواخر مايو (أيار) الماضي، نقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، عن مصدرين مقربين من المفاوضات، أن «مسؤولين من الكونغو الديمقراطية متفائلون بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع واشنطن في نهاية يونيو (حزيران) الحالي، لتأمين استثمارات أميركية في المعادن الحيوية، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة جهود إنهاء التمرد في شرق الكونغو».
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان، الاتفاق «خطوة بارزة نحو نزع فتيل التصعيد والسلام والاستقرار»، داعياً الأطراف إلى الوفاء الكامل بالتعهدات»، فيما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريحات صحافية، بالاتفاق ووصفه بـ«خطوة تاريخية إلى الأمام»، مضيفاً أن «السلام يجب أن يصمد».
ويعتقد تورشين أن الجانب الاقتصادي كان مفتاح التوصل إلى هذا الاتفاق، خصوصاً أن واشنطن لديها تطلعات اقتصادية بشأن معادن الكونغو الديمقراطية، وكانت حريصة على إتمام هذا الاتفاق بشكل سريع ضماناً لمصالحها، متوقعاً أن يسهم الترحيب الدولي في تهيئة الأمور لتنفيذ الاتفاق شريطة وجود تفاهمات داخلية.
ويرى عيسى أن دعم واشنطن للاتفاق يأتي من منطلق حماية مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى المعادن الحيوية مثل الكوبالت والليثيوم، التي تعد ضرورية لصناعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، لا سيما أن الكونغو الديمقراطية تملك نسبة كبيرة من احتياطي هذه الموارد، وهو ما يجعل استقرارها أولوية اقتصادية للولايات المتحدة التي تسعي نحو صفقة معادن تمنح واشنطن حافزاً قويّاً لضمان تنفيذ الاتفاق، سواء عبر الضغط الدبلوماسي أو من خلال تقديم الدعم التنموي مقابل الالتزام السياسي.
ويتوقع أن يُستخدم الاتفاق لفتح المجال أمام استثمارات دولية في قطاع التعدين، خصوصاً تحت رعاية الولايات المتحدة، التي تسعى لتقليل اعتمادها على سلاسل توريد مرتبطة بالصين، مؤكداً أن «السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا سيبقى مُعلَّقاً بين فرص التقدم ومخاطر الانتكاس، وسط تعقيدات ميدانية وسياسية لا تزال تُضعف أي مسعى نحو تسوية شاملة».
ويوضح عيسى أن «المبادرات الإقليمية والدولية تبذل جهوداً ملموسة للتهدئة، إلا أن نجاحها يظل مشروطاً بمدى استعداد الطرفين لتجاوز الخطابات العدائية والانخراط في حوار صريح يعالج الجذور العميقة للصراع، وعلى رأسها مسألة إنهاء الدعم للجماعات المسلحة، من خلال مفاوضات سياسية مشروطة بوقف إطلاق النار، وضمانات أمنية، وربما إدماج تدريجي لبعض الفصائل في الحياة السياسية أو العسكرية».